صحة

كيف أواصل حياتي أثناء نوبة اكتئاب عنيف؟

الاكتئاب كالبحر الهائج، كيف ينتزع الإنسان نفسه من موجه الهادر؟ .. يقدم لك هذا المقال 11 مشورة تنفعك ولا تغنيك عن مشورة الطبيب النفسي.

future صورة تعبيرية (الاكتئاب)

ينتشر الاكتئاب والأمراض النفسية بشكل لا نبالغ إذا وصفناه بالوبائي، وتشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن قرابة 5% من البشر يعانون من الاكتئاب. ونسب الإصابة بالاكتئاب في تصاعد ملحوظ، وقدمت مئات التفسيرات لذلك، ولعل أرجحها، وأكثرها انطباقاً على ظروفنا في العالم العربي والبلدان النامية هو تفاقم ضغوطات وتحديات الحياة المعاصرة المادية والمعنوية، وانحسار الدعم الأسري والاجتماعي والعاطفي في مواجهتها، وكذلك زيادة الوعي بالأمراض النفسية وبالاكتئاب، وبدء انكسار الوصمة الاجتماعية التي كانت تلاحق الطب النفسي، فأصبح الكثيرون يطلبون مشورة الأطباء النفسيين، فاكتُشِف الكثير مما كان خفياً من حجم الإصابة بالأمراض النفسية وفي مقدمتها الاكتئاب.

في المساحة الحالية لن نتحدث عن علاج مرض الاكتئاب بشكل كامل، فهذا يحتاج إلى مساحات عديدة متكاملة، إنما سنركز عبر نقاط عملية ومركزة على بعض النصائح سهلة التطبيق، والتي تساعد في التغلب على نوبات الاكتئاب العنيفة التي تتكرر في المسار المزمن للمرض، ساعين إلى تجاوزها في أقصر وقت ممكن، وبأقل قدر من الخسائر الذاتية والمادية والاجتماعية.

للأسف الشديد، وفي دوامة الحياة اليومية الضاغطة في عصرنا الحالي، لا يملك أكثرية مرضى الاكتئاب رفاهية أن يتركوا أشغالهم والتزاماتهم المادية والمعنوية والاجتماعية والعمَلية، ويتفرغوا للاستشفاء النفسي واستعادة التوازن وتجديد الطاقة، وسيضطر الغالبية العظمى منهم إلى مواصلة برنامجهم اليومي من مهام العمل والأسرة والدراسة … إلخ، أثناء النوبات الحادة من تفاقم الاكتئاب، فيحملون أثقالهم، وأثقال الاكتئاب مع أثقالهم، وكثيراً ما يؤدي هذا إلى تطاول نوبة الاكتئاب الشديد، وجعل تجاوزها أكثر مشقة. ولذا، سنحاول أن تكونَ اقتراحاتنا أكثرَ منطقية وواقعية.

1. لسنا هنا بديلاً عن مشورة الطبيب النفسي:

وجب التنويه أن ما نقدمه هنا ليس الغرض منه الاستغناء عن مشورة الطبيب النفسي، وترك تنفيذ الخطة العلاجية التي يرسمها لكل مريض اكتئاب وفقاً لخصوصية حالته، من علاج دوائي بمضادات الاكتئاب، وجلسات للمعالجة النفسية. إنما الهدف هو التكامل مع الخطة العلاجية الأصلية، والمساهمة في رفع كفاءتها وديمومة نجاحها.

2. انتزع أكبر قدر ممكن من الوقت لنفسك:

يجب أولاً رغم كل ضغوط الحياة والالتزامات أن يجتهد مريض الاكتئاب أثناء نوبة الاكتئاب الشديد في أن ينتزع لنفسه أكبر وقت ممكن للاستشفاء الذاتي عبر الراحة والاسترخاء البدني والنفسي، وممارسة الأنشطة والهوايات التي يحبها، أو على الأقل التي لا تحتاج لبذل جهد نفسي كبير.

3. رصد مثيرات الاكتئاب والاكتشاف المبكر لاعتلال المزاج:

من الواجب على مريض الاكتئاب أن يركز جيداً في متابعة نفسه، وتسجيل أهم الأحداث في يومه، وتوثيق الحالة المزاجية قبلها وبعدها بالكتابة في المذكرة الشخصية مثلاً، وبذلك يتمكن من اكتشاف مسببات نوبات الاكتئاب العنيف، فيتعامل معها باكراً، فيقلل تكرار النوبات الاكتئابية الحادة الشديدة، ويسرع التعافي منها. ابدأ فوراً بمجرد اعتلال المزاج في تذكير نفسك بكل ما هو إيجابي في حياتك، وتجاهل الأفكار السلبية وتجنب تمحور تفكيرك حولها، فهذا سيكون أشبه بدوامة تسحبك إلى قاع الاكتئاب أكثر فأكثر.

4. كذِّب عقلك في اتهاماته السلبية لك:

في خضم العاصفة الاكتئابية تضرب أمواج الأفكار السلبية ساحل عقلك ووجدانك، وتكثر اتهاماتك لنفسك بالفشل وبالعجز وبالضعف … إلخ. لا تصدق أياً من هذا، ولا تحكم على نفسك عبر المرآة الداكنة للاكتئاب. استبدل الأفكار الإيجابية بالسلبية، مثل تذكير النفس بأنك لا تدخر جهداً في محاولة التعافي، ولا في مواصلة أنشطتك رغم المعاناة مع الاكتئاب، وأن حياتك وشخصك أكبر من مجرد اختزالهما في الاكتئاب ونوباته. وتساعد جلسات العلاج النفسي لا سيما «المعرفي السلوكي – CBT» في اكتساب مهارات التفكير الإيجابي، وإحلال الأفكار الإيجابية محل السلبية، مما يسرع التعافي. ولذا أنصح أثناء النوبات الاكتئابية الشديدة بمراجعة المعالج النفسي، فقد تحدث جلسة أو اثنتين فارقاً في سرعة التجاوز، وإمكانية المواكبة، ومواصلة الأنشطة الأساسية رغم الاكتئاب.

5. الهلع ممنوع:

مع ظهور بوادر نوبة اكتئابية شديدة يصاب الكثير من مرضى الاكتئاب بالتوتر العاصف والذي قد يبلغ حد الهلع، ويتذكرون قسوة ما كانوا يشعرون به أثناءها، فيزيدهم هذا اضطراباً واكتئاباً، ويعطل قيامهم بخطوات فعالة للتعافي من النوبة. يجب تذكير النفس بأن تكون أكثر هدوء لمواجهة العدو بفاعلية، ومما يساعد على هذا تذكر أن هذه ليس النوبة الأولى، وقد سبق أن تجاوزنا مثلَها أو أشد، والشروع فوراً - بناءً على ما استفدناه من تجاربنا السابقة - في تنفيذ أهم الأمور التي كانت فعالة في المرات السابقة في تحسين المزاج وتسريع التعافي.

6. عدم الاستسلام لخدعة أن الراحة في العزلة:

التعامل مع الآخرين يصبح مهمة مرهقة لمريض الاكتئاب، لا سيما أثناء النوبات الشديدة، ولذا يميل الكثيرون ممن يقاسونها إلى الانعزال حتى عن أقرب المقربين والأصدقاء. لكن في الواقع فإن الانغماس في العزلة غالباً ما يؤدي إلى نتائج عكسية، ويبطئ التعافي من النوبة الاكتئابية الحادة.

لا تخجل أثناء عصف الاكتئاب أن تطلب العون بمختلف أشكاله من أقرب المحيطين بك في دوائر الأسرة والأصدقاء، من مجرد البوح إليهم بالأفكار الاكتئابية، مروراً بالاشتراك معهم في بعض الأنشطة التي تساعد في التعافي مثل الرياضات المسلية أو التنزه، وصولاً إلى المساعدة في إتمام المهام والواجبات التي لا تحتمل التأخر لحين سكون العاصفة. ولا تشعر أن هذا العون عبء عليك، أو أنك عبء عليهم، فهذا بعض حق الصداقة والعلاقات الإنسانية.

وأود أن أنصح مريض الاكتئاب في الفترات الأقل سوءاً بين النوبات الاكتئابية الشديدة، أن يستثمر في محيطه الأسري والاجتماعي، بأن يتواصل بأكبر قدر ممكن مع الأهل والأصدقاء، ويوطد العلاقة معهم، ويساعدهم بما استطاع إليه سبيلاً من وقت ومن جهد، ليكون هذا أشبه برصيد يدخره لوقت الحاجة، فلا يشعر بالحرج وفرط الحساسية النفسية عندما يطلب منهم المثل في أوقات نوبات الاكتئاب الشديدة.

7. خفض سقف التوقعات من نفسك ومن الآخرين:

مما يفاقم الاكتئاب، جلد الذات، وتحميل النفس فوق ما تحتمل من مهام وواجبات. يجب أثناء النوبات الاكتئابية الاكتفاء بعمل الحد الأدنى المهام الذي لا ينبغي النزول عنه، ويجب أن نتعلم قول (لا) على أي طلب أو مهمة إضافية خارج هذا النطاق، حتى لا نثقل على النفس المكدودة فوق أثقالها. ونفس الشيء في توقعاتنا تجاه الآخرين، فبعض من يعانون من الاكتئاب يعلقون آمالاً عريضة على أن يساعدهم المحيطون بهم في التعافي السريع، وكثيراً ما يُصدَمون بواقع أقل بكثير مما أملوا فيه. سنستعين بالآخرين في التعافي، لكن لا ننتظر منهم أكثر من الواقع.

8. التركيز على اللحظة الحالية:

يجب تجنب إثقال النفس المثقلة بهموم المستقبل لا سيما البعيد أثناء محاولتها تجاوز النوبة الاكتئابية، فمما يسرع التعافي أن نركز بوعي كامل على التو واللحظة، ونغرق أنفسنا في أية تفاصيل إيجابية في الوقت الحاضر، مثل مذاق طعام نحبه، أو كلمة طيبة وجهت لنا، أو منظر جميل وقعت عليه العين.

9. النوم الجيد ولو بمساعدة طبية:

الأرق الشديد، سواء بصعوبة الدخول في النوم ابتداءً، أو الاستيقاظ باكراً جداً قبل أخذ قسط كافٍ من النوم، من الأعراض المزعجة للغاية التي ترافق النوبات الاكتئابية، لا سيما الشديدة، وتؤدي اضطرابات النوم تلك إلى تفاقم النوبة واشتداد أعراضها. ولذا فيجب بذل أقصى الجهد في سبيل الحصول على حد أدنى كافٍ من النوم، فهذا يسرع التعافي من النوبة الاكتئابية، ويمكن في ذلك استشارة الطبيب ليصف أحد العقاقير التي تساعد في ذلك مثل الميلاتونين أو المهدئات، بالتزامن مع تطبيق بعض تعليمات النوم الصحي التالية:

  • إعطاء النوم ليلاً أولوية قبل أية مهام دراسية أو عمل.
  • تقليل التعرض للشاشات لا سيما الهواتف الذكية ليلاً.
  • عدم التعجل في ضبط مواعيد النوم بشكل فوري، حتى لا تصاب بالإحباط، إنما بالتدريج.
  • تقصير أوقات النوم نهاراً (القيلولة)، وتبكيرها، لتكون بعد الظهر مباشرة، وليس بعد ذلك، حتى لا تعوق النوم باكراً في الليل.
  • ممارسة الرياضة بانتظام نهاراً.
  • اللجوء لبعض الأنشطة التي تساعد على الاسترخاء مساءً، مثل قراءة رواية لطيفة أو الاستماع إلى ما تحب.

10. اعتنِ بنفسك بدناً ونفساً:

الجسم والنفس هما متَصَلٌ واحد لا ينفصلان. فالحالة النفسية تؤثر على حالة الجسم وتتأثر بها. ولذا، فأثناء النوبات الاكتئابية الحادة حاول الاعتناء بجسمك بإراحته ما استطعت، وبتناول الطعام الصحي المتوازن الغني بالفواكه والخضروات والأسماك بوجه خاص لغناها بالمغذيات المفيدة، وبالاستحمام كلما سنحت فرصة للمساعدة على الاسترخاء، وبممارسة الرياضة المعتدلة لا سيما المشي، وحبذا لو أمكن أن يكن هذا في مكان مميز مثل ساحل البحر، أو في قلب الطبيعة بين الأشجار والمناظر الخلابة التي تشغل الحواس والعقل والقلب ولو مؤقتاً عن الاكتئاب.

11. ممارسة الرياضة المعتدلة والمسلية:

من المعلوم من الطب ومن الحياة بالضرورة أن ممارسة الرياضة المعتدلة يحسن الحالة المزاجية والنفسية بشكل كبير، ويساهم بشكل كبير في التعافي من النوبات الاكتئابية الشديدة. ويفضل ألا تكون الأنشطة الرياضية في أوقات النوبات الاكتئابية بالغة الإرهاق البدني أو تحمل قدراً من التنافسية الرياضية الزائدة؛ لأن هذا قد يؤثر سلباً على الحالة المزاجية ويفاقم النوبة الاكتئابية.

# صحة # طب # مجتمع # صحة نفسية # طب نفسي # علم نفس

الثقافة الرمضانية والوظيفة الفسيولوجية للفن
هل بقاء الشر مقصود إلهي؟ (أوهام النقاء الثوري، وأسطورة نهاية الشر)
«البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو».. و«شجر الليمون» يصارع للبقاء

صحة